” الحضارة الآشولية ” على ضفاف أشهر مواقع الاستيطان البشري في وادي فاطمة
إعداد وتصوير: عقيل الحاتمي
قامت “الحضارة الآشولية” إحدى أقدم الحضارات الإنسانية حسب ما ذكره الدكتور محمد أحمد بدين، وعبدالرحمن بكر كباوي في دراسة بعنوان “دراسات في آثار المملكة العربية السعودية”، على ضفاف أشهر مواقع الاستيطان البشري في العصر الحجري بوادي فاطمة، وهو أحد أهم الأودية الواقع غرب المملكة التابعة لمنطقة مكة المكرمة وبطول يصل لــ 210 كم، حيث أجريت مسوحات أثرية على 32 موقعًا أثريًا تعود للحضارة الآشولية في ذات الوادي على امتداد 2600 عام قبل الميلاد.
ويجري وادي فاطمة من الشرق إلى الغرب، من أعالي السراة قرب الطائف ليصب في البحر الأحمر قرب ضاحية “الخمرة” الواقعة جنوب جدة، في حين يعد الوادي خصبًا بوفرة مياهه، ويقع على ضفتيه عددٌ من محافظات ومراكز وقرى منطقة مكة المكرمة من أهمها محافظات الجموم، وبحرة، حيث سُميّ قديمًا “بطن مر”، أو “مر الظهران”.
وكالة الأنباء السعودية وقفت على مواقع الاستيطان في الوادي، مُقتفيهً أثر الإنسان الذي استوطن هذا المكان، ووجدت أن هذه المواقع تحمل أدوات كثيرة ذات أحجام مختلفة وأغراض متنوعة مثل: الفؤوس اليدوية، والأزاميل والمكاشط والمثاقب، الأمر الذي يشير إلى أن تاريخها يعود إلى العصر الآشولي الأوسط.
وتُعرف الحضارة الآشولية باسم “حضارة الفؤوس الحجرية”، المشتقة من “سنت آشول” بشمال فرنسا وتعود إلى الفترة بين “البلايستوسين” الوسطى وبداية فترة “البلايس توسين” المتأخر، كما وُجدت مواقع كثيرة لهذه الحضارة في بعض أودية المملكة.
كما وجد في عِدة مواقع من “وادي فاطمة” على امتداده أدوات متنوعة ترمُز إلى هذه الحضارة مصنوعة من حجر “الإندي إكسايت” وعليها قطاع سميك من غشاء العتق، حيث تشكل الأجزاء القريبة من مدينة “بحرة الجديدة” الواقعة على الجانب الشمالي للوادي وهي منطقة تتميز بتركيب جيولوجي معقد وصخور رسوبية تتشكل منها معظم الجبال الشاهقة في هذه المنطقة.
واكتشفت أربعة مواقع ثلاثة منها ترمز إلى الحضارة “الموستيرية” والموقع الرابع ” آشولي “، بجانب وجود بعض الأدوات الحجرية التي تعود غالبًا إلى ما بعد العصر الحجري.
ويمثل وادي فاطمة أحد المواقع الغنية بالأدوات الآشولية، ومواقع العصر الحجري، حيث تشكل المنطقة الواقعة عند نهاية وادي فاطمة عند اتصاله بالبحر في المنطقة التي لا تبعد كثيراً عن مدينة جدة من الناحية الجنوبية الشرقية قرب ضاحية ” الخمرة ” التي تمتاز بالظواهر الجيولوجية والجيومرفولوجية الدالة على ملاءمة المنطقة للاستقرار قديمًا من حيث وفرة الماء، ووجود الأماكن المرتفعة، إضافةً إلى الصخور الصالحة لصنع الأدوات الحجرية مثل : صخور ” الإنديسايت ” بأنواعها المختلفة، و”الجرانيت”، والحجر الأخضر، والصخور النارية كـ ” البازلت” و “الأفنيس”.
وعُثر في هذه المنطقة التي تطل على وادي فاطمة مباشرة من عدة جوانب على 31 موقعاً حجريًا على الجانب الشمالي للوادي، وأغلب هذه المواقع ترمز للعصر الآشولي.
وصَنفت الدراسة المسحية المواقع الآشولية إلى ثلاث مجموعات وفقًا لنوعية القطع ووظائفها: المجموعة الأولى مواقع إعداد الطعام وصناعة الأدوات غير الحجرية، حيث عُثر في موقع تبلغ مساحته 12,000 كيلو متر مربع على بعد 5 كيلو مترات شمال بحرة على 29 قطعة أثرية آشولية منها 48 % من القطع تمثل سواطير و 35 % تمثل مكاشط، أما الثانية فهي مواقع صناعة الأدوات الحجرية، وأعمال الذبح والسلخ، حيث عُثر على خمسة مواقع آشولية بشمال وادي فاطمة تضم نسبة عالية من الرقائق والنويات الحجرية، والمكاشط، وأدوات ذات ثلب عميق ومشحوذ، وسكاكين، ومثاقب، وأدوات ثنائية الوجه وقرصية الشكل، وفؤوس، ومفارم، أما الموقع الثالث فقد عثر فيه على معاول، ومكاشط لجمع النباتات في تلك الحقبة، مما يدل على أن إنسان تلك الحقبة الزمنية عاش في ظروف طبيعية ومناخية ملائمة.