محليات

تاريخ الأمم العظيمة: أداة للتوجيه والرفق يحرم الخير

ألقى الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني خطبة الجمعة بالمسجد الحرام، تحدث عن أهمية التقوى والتحلي بأخلاق الإسلام، مشيدًا بشمولية هذا الدين ورحمة الله، مدعيًا للشكر والامتنان على نعم الله. وفي خطبة المدينة المنورة، أشار الشيخ الدكتور خالد المهنا إلى روحانية الرفق وأهميتها في الدين والحياة، مشيرًا إلى أنها تحقق الخير وتعكس النضج والحنان. واختتمت الخطبتين بتأكيد أن الرفق هو مفتاح لجميع المصالح والنجاحات، وحديث النبي يثبت أهميته.

تاريخ الأمم العظيمة: أداة للتوجيه والرفق يحرم الخير

ألقى الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله حق تقاته، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وسنة خلفائه الراشدين من بعده.
وقال فضيلته: لقد امتنّ الله -عزّ وجل- على البشرية بدين الإسلام، وأكرمهم برسوله النبي الأمي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير الأنام، حتى صار الناس إخوانًا متحابين، بعد أن كانوا متفرقين متباغضين، ولذلك ذكرهم بقوله تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
وأضاف: إذا نظرنا في الآفاق وفي أنفسنا رأينا نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، وألطافه تتوالى من حولنا بلا انقطاع. والواجب على العبد التحدث عن نعم الله عز وجل، والشكر على ما أفاء به علينا من هبات وأعطيات، وما أسبغ علينا من عافية في الدين والدنيا، وما أحاطنا به من أمن وأمان ورخاء في البلاد وعلى العباد، وصحة في الأبدان.
وأوضح أن أولى مراحل الشكر لتلكم النعم أن نتفطّن للنعم، وأن نحسّ بها، وأن لا نغفل عن الفضل الذي لحقنا، وأن ندرك جيد الإدراك أن كل هذه النعم التي نسعد بها هي من منعم واحد لا شريك له، هو رب العالمين، خالق الخلق أجمعين، رب الأرباب ومسبب الأسباب.
وثاني مراحل الشكر أن نستعمل تلكم النعم فيما خلقها الله لها في الطاعة، وتحقيق معنى العبودية، ونتجنب الاستعانة بها على المعصية. وقدوتنا في ذلك نبينا محمد الشاكر الحامد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “أفلا أكون عبدًا شكورًا” رواه البخاري ومسلم.
وأكّد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الله تعالى امتنّ على هذه البلاد (المملكة العربية السعودية) بجمع الشمل، وتوحيد الكلمة، وإخلاص العبادة لله وحده، واتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم غضة طرية، كما جاء بها نبينا وحبيبنا وقرة عيوننا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا. وتلكم نعمة عظيمة، وجب علينا التحدث بها وشكرها، فالشكر لله رب العالمين فضيلة عظيمة، ومقام كريم، وهو صفة الله عزّ وجل، وصفة أنبيائه الكرام عليهم الصلاة والسلام.
وبين الدكتور الجهني أن الأمم العظيمة تستذكر تاريخها، وتستخدمه أداة للتوجيه والتربية، وتتخذ من إنجازات الآباء والأجداد ومن سيرهم محفزات على السمو والعطاء والاستقامة، والتحفيز على الوصول إلى كل ما هو نافع للإسلام والمسلمين، فأمة لا تعرف تاريخها لا تحسن صياغة مستقبلها.
* وفي خطبة الجمعة بالمدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور خالد المهنا المسلمين بتقوى الله تعالى، قال جل من قائل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
وقال فضيلته: فإن من محاسن ديننا وشواهد كماله أن أشاد بمكارم الأخلاق، وعظم شأنها، ورغب في محاسن الآداب وفخمها، بل جعلها الحق المبين سبحانه عبادة تثقل بها موازين الحسنات، وتتفاضل بها الدرجات في الجنات، ألا وإن من أفضل خصال المسلم وأجلها، وأجمل أخلاق المرء وأنبلها خلق الرفق الذي هو لين الجانب بالقول والعمل واللطف بأخذ الأمور بأحسن الوجوه.
وبين أن الرفق من صفات الله تعالى وتقدس؛ قال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ”. فالمؤمن الذي يرفق في محل الرفق قد وافق ربه في صفة من صفاته، ومن وافقه في صفة منها قادته تلك الصفة بزمامه وأدخلته عليه وأدنته منه وقربته من رحمته؛ فإن الله تعالى يحب أسماءه وصفاته، ويحب ظهور مقتضاها وظهور آثارها على العبد، وهو رفيق يحب الرفق ويحب أهل الرفق.
وأشار فضيلته إلى أن الرفق كان من أرفع أخلاق سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وأعظمها وأظهرها أثرًا في كمال رسالته وأداء أمانته وتمام نصحه لأمته، وقد أشاد بها الوهاب فقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
لقد كان عليه الصلاة والسلام رفيقًا في حزم، متأنيًا في عزم، ليّنًا من غير ضعف.
وأكمل: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك يا محمد، فقال عليه الصلاة والسلام «وعليكم». ففطنت أُمنا السيدة عائشة رضي الله عنها لمقالة اليهودي، فقالت: «وعليكم السام واللعنة»، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مهلًا يا عائشة، إن الله رفيق يحب أهل الرفق» أخرجه البخاري، وفي لفظ مسلم «إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» فالله تعالى رفيق في أفعاله، خلق السماوات والأرض في ستة أيام مع قدرته على خلقها في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام تعليمًا لخلقه التثبت والتأني في الأمور.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي: أما رفقه عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين ولطفه بهم وبولدانهم فشواهده كثيرة شهيرة، منها ما أخبرت به أم قيس بنت محصن رضي الله عنها أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال على ثوبه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه ولم يغسله. وفي هذا الخبر ما فيه من لين النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه واستعماله غاية اللطف جبرًا لقلب أم الرضيع حين أجلس وليدها في حجره، ثم لم يظهر عليه السلام تبرمًا، ولم يضق ذرعًا بوقوع النجاسة على ثوبه الطاهر، ولم يزد على أن أمر بماء فأريق على ثوبه. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحدًا واحدًا، فمسح خدي فوجدت ليده بردًا أو ريحًا كأنما أخرجها من جونة عطار.
وبيّن: الرفق ثمرة صفتين محمودتين يحبهما الله، هما الحلم والأناة، فمتى حاز المرء هاتين الخصلتين فلا بد أن يكون رفيقًا، وتظهر آثار رفقه سدادًا في قوله وفعله، وتمامًا في مروءته، ومحبةً إلى الله وإلى عباده، فمن كان مجبولاً عليهما فليحمد الله، وليشكره، فقد أوتي خيرًا عظيمًا، ومن لم يكن كذلك فليسألهما من المنان الرحمن، وليكتسبهما بمجاهدة النفس والشيطان، فإنما يأمرانه بضديهما، وهما الغضب والعجلة، وهما أسرع ضررًا على العاقل من نار سرت في هشيم يابس.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: بالرفق تتحقق للعباد معظم مصالح الدين والدنيا، بل الخير كله في الرفق، قال عليه الصلاة والسلام «من يُحرم الرفق يُحرم الخير كله». وهذا الحديث من جوامع الكلم النبوي، فإنه حوى معاني كثيرة جليلة بأوجز عبارة، وهو دال على دخول الرفق في العبادة، ومع الناس في المعاملة، فمن حرمه في العبادات أداها مستعجلاً مشتت الفكر، حريصًا على الفراغ منها، فحرم لذتها وبركتها وخشوعها وكمال أجرها، ومن حرمه في معاملة الناس ساءت صحبته لهم، وحرم مودتهم، واكتسب عداوتهم، وربما تعدى إلى ظلمهم، وذلك حرمان الخير كله، وتحقق الشر بحذافيره، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى