خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني المسلمين بتقوى الله عزوجل والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم من المسجد الحرام ” إننا في هذه الأيام نتقلّب في نعمٍ من الله وافرة وخيرات عامرة ، سماؤنا تمطر، وشجرنا يثمر، وأرضنا تخضرّ، فتح لنا أبواب السماء ، فعمّ بغيثه جميع أرضنا ، فامتلأت السدود والوديان والنخيل والآبار وارتوت الأرض ، فاللهم زدنا من فضلك ورحمتك فانه لا يملكها الا انت ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، مضيفاً إن الدنيا دار ابتلاءات ومحن والحصيف من تحرز لنفسه ولدينه حتى لا يقع في الفتن ولينجو منها ، واعظم الخلق غرورا من اغتر بالدنيا وعاجلها ، فاثرها على الاخرة ، ورضي بها من الاخرة، فمن اعتصم بحبل الله واستنار بنور الله وتمسك بكتاب الله استقام ونجا ، ومن أفلت السبب وأغمض عينه عن النور وصدَّ عن الصراط المستقيم ، تاه وهلك والعياذ بالله تعالى، وفي هذه الدنيا يسبح الانسان في بحر الحياة بين أمواج الهواجس والأفكار والوساوس والظنون والأهواء والشهوات وأعاصير الأعراض ، والذى خلق الإنسان وخلق فيه أفكاره ووساوسه وغرائزه ، وخلق الأعراض التي تحيط به ، لم يغفل عنه ولم يُهمله ، بل أعطاه عقلاً وبصيرة ، وأرسل إليه رسولاً وأنزل عليه نظاماً يوجهه في مسيرته في هذه الحياة ، ومد له سبياً متصلاً بشاطئ النجاة وفيه عروة وثيقة لا تفصم، فهو كمثل زورق في بحر لجى يرفعه الموج ويخفضه ، وتُحركه الرياح يميناً وشمالا ، فلا بد له من يُوصله ويحدد اتجاهه ، ولا بد له من ربان ماهر يعرف الممرات يسير به إلى اتجاه المرسى ، فإذا لم يكن كذلك ضَلَّ في المتاهات وغرق .
وأشار قائلاً: من هذا المثل نتعرف على الازدواجية والاختلاف في هذا الزمن ، فقد كثر العلم وانتشر الجهل ، وكثرت الأموال وزاد الفقر ، وتطور الطب وفشت الأمراض ، كثر العلم فى النظريات والصناعات والفلسفات ، ولكن كثر الجهل بواجب الإنسان ورسالته في هذه الحياة ، فصار العلم بدون تقوى ، وعلى غير هدى . فاستغلت العلوم لغير ما خُلقت له ، خُلقت لتكون دليلاً على قدرة خالقها ووحدانيته ، ولتكون رابطة بين الإنسان وخالقه ، خُلقت لتكون عوناً للإنسان على طاعة ربه ، ولكن العلم بعيد عن هذا الآن إلا ما شاء الله، فقد استعملت بعض العلوم الآن للتخريب والتدمير والصد عن دين الله ، واستعباد الضعيف ، والسبب في ذلك فصل العلم عن الإيمان ، فإلى متى هذه الجهالة ؟ تطور الاقتصاد وكثرت الأموال فزادت النفوس شحاً وبخلاً ونهمة في جمع الأموال بالحلال والحرام ، بحق وبدون حق ، شارب ماء البحر كلما زاد شرباً ازداد عطشا. فبعض الناس ينفق مئات الألوف فى رحلة سياحية ، ولكنه لا يواسي فقيراً ولا يعطف على يتيم ؛ والسبب فى ذلك الجهل بنظام الإسلام ، والجهل بالحسنى.
ونوه بإن أعظمُ الازدواجية في حياتِنا هو الازدواجية في أمرِ دينِنا ، نعلمُ الخيرَ ونأتي منه ما أردْنا ، ونعلمُ الشرَ ونجتنبُ منه ما شئنا ، نعلمُ الهدى ولا ندخلُ فيه كلِه ، ونعلمُ الضلالَ ولا نخرجُ منه كلِه ، اعتمادُنا على رحمةِ اللهِ تعالى ومغفرتِه ، وكأننا لا نقرأُ القرآنَ ، فلما ذكرَ اللهُ تعالى ان رحمته وسعت كل شي )) ذكرَ أهلَها وأحقَ الناسِ بها، قال: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) فاتقوا الله يا أمة الإسلام : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْتَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِنَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهيدا ) اللهم بارك لنا فى القرآن العظيم ، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولى هذا ، وأستغفر لى ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم.
وأردف قائلاً : أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل والسمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف واعلموا أن الإيمان والتقوى يستفتح أبواب البركات من السماء والأرض، والمعصية والطغيان قد تفتح أبواب كل شي فتنة واستدراجًا ، مما يوجب شدة الحذر من المعاصي في الامة ، وعدم الغفلة عما في ايدي الناس من النعم والقيام بشكرها ، وعدم الاغترار بما فتح الله على الكفار من أبواب كل شي ، واعلموا ان العزة والكرامة في طاعة الله ، والذلة والهوان في معصية الله ، فاقنعوا بما احل الله وازهدوا فيما حرم الله، وتيقنوا أن الأجال وتصريف الأمور بيدالله عزوجل ، فلا يدري المرء ماذا سيصيبه في صباحه ومسائه ، فخذوا حذركم وحاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا ، وأوزنوها قبل ان توزنوا، واكثروا من الصلاة والتسليم على نبينا الكريم فقد امركم بذلك في كتابه الكريم ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ).
وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان المصلين في خطبة الجمعة اليوم بتقوى الله في حقوق الناس فإن التفريط فيها من أعظم المصائب اتقوا الله في حقوق الناس فإن التفريط فيها أثقال وتبعات وهموم وحسرات اتقوا الله في حقوق الناس فإنها حمل ثقيل وخطب جليل وحساب طويل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من كانت عنده مظْلمة لأَخيه من عرضه أَو من شيء فَلْيتحلله منه اليوم قبل ألَّا يكون دينارٌ ولا درهم إن كان لَهُ عمل صالح أُخذَ منهُ بقَدرِ مظْلَمته وإن لم يكُن لَهُ حسنات أُخذَ من سيّئَاتِ صاحبه فَحُمل علَيه ” .
وأكد الشيخ البعيجان في الخطبة أن ألد الخصوم يوم القيامة أعظم الناس حقاً فيا ليت شعري كيف حال من كان خصمه بين يدي الله من أقرب الناس إليه وأولى الناس به ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) فالله الله في حقوق الناس الله الله في حقوق الغرباء الذين قد لا تجد فرصة للقائهم وحقهم مرهون بعفوهم ورد مظالمهم الله الله في حقوق الأهل والأقرباء الذين أوصى الله بهم الله الله في حقوق الوالدين والأبناء الله الله في حق الزوجين ، فإن الله تعالى قد جعل أساس العلاقة الزوجية الرفق والمودة والرحمة فقد أمر بحسن العشرة وتقدير العلاقة الزوجية وقد شرع الله الأحكام والحقوق الزوجية فجعل لكل من الطرفين أحكاماً وحقوق وواجبات ورتب عليها الجزاء والحساب وحتّم أمرها بالثواب والعقاب وليست هذه الحقوق مجرد أخلاق ذوقية وآداب اجتماعية وأحكام قانونية بل هي أحكام ربانية وآيات قرآنية وسنة نبوية يتعبد الله بالالتزام بها كما يعصى بمخالفتها وهي ميدان اختبار وامتحان.
وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي الخطبة بالقول إن من أعظم الحقوق الزوجية حفظ الأسرار فالأسرار أمانة وإفشاؤها غدر وخيانة ولا إيمان لمن لا أمانة له ، فقد خص الله كل واحد من الزوجين بحقوق على الآخر فمن حقوق الزوج على زوجته طاعته في حاجته وصيانة عرضه وعدم الخروج بغير إذنه ومن حقوق المرأة على زوجها المهر والنفقة والسكن والكسوة والعدل ، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وأبرءوا ذممكم قبل الموت وتحللوا من أصحاب الحقوق وردوا المظالم إلى أهلها وآتوا كل ذي حق حقه.