محليات

ممالح الذهب الأبيض في “القصب”.. تاريخ تجاري عريق يمتد لأكثر من ثلاثة قرون

بدأت رحلة الإنسان مع الملح منذ آلاف السنين عند اكتشاف دوره في حفظ لحوم الماشية والأسماك، إذ اهتمت الحضارات الرومانية والآشورية واليونانية والصينية في المتاجرة بالمنتج المعروف بـ “الذهب الأبيض”، والتي لا تخلو موائد الأطعمة منه منذ بدء الحضارة البشرية.
واستخدمت الإمبراطوريات القديمة قوافل الإبل كسلاسل إمداد تجارية لنقل الملح وبيعه مقايضة بسلع أخرى، وعملت على حماية مناجمه وطرقه،حيث شق الرومان طرقاً خاصة لتصدير الملح إلى روما، وصدر الفراعنة الأسماك المملحة إلى الفينقيين، وقبض جنود الإمبراطوريات أجورهم بسلعة لطالما اعتبرت عملة صعبة عبر التاريخ.
وتعود دراسات تاريخية حول الاكتشاف الأول للملح بضفاف بحيرة شمال الصين كانت شاهداً تاريخياً على إنتاج الملح واستخدامه لأغراض صناعية واستهلاكية، أما أولى بدايات استغلاله وتصنيعه على نطاق واسع في أوروبا كانت على ضفاف البحر الأسود 4700 سنة قبل الميلاد، حيث عرفت مدن بلغارية مسورة بإنتاجه حماية لمصادره وأحواض تنشيفه.
كما ترجع جذور كلمة “ساليري” salary الإنجليزية التي تعني “مرتب” إلى “سالاريوم” salrium اللاتينية التي تشير إلى الأموال الممنوحة للجنود لشراء الملح، بينما تعني كلمة “salad” الإنجليزية “سلطة” أوراق الخضار التي عرف الرومان بتمليحها.
وفي المملكة العربية السعودية اكتسبت “جفار الملح” (ممالح القصب) البلدة التاريخية الغنية بآثارها وشعرائها التابعة لمحافظة شقراء الواقعة على بعد نحو 150 كيلو متراً غرب العاصمة الرياض شهرة واسعة على مستوى المملكة منذ ثلاثة قرون، إذ ارتبطت بأجود أنواع الملح النقي الطبيعي متعدد الاستخدام يفوق ملح البحر في نوعيته وجودته، كما يغطي ثلث استهلاك المملكة من الملح الخشن.
وإلى جانب شهرة “القصب” كمصدر لأجود أنواع الملح فقد عرفت أيضاً بأنها بلدة “الملح والشعر” نظراً لتميزها في صناعة العديد من الأسماء الشعرية المميزة المعروفة في الساحة الشعبية في العصر القديم والحديث أمثال حميدان الشويعر وعبدالله بن قعيد وسهيل المقحم وابن ماجد العجيمي وإبراهيم الحميضي وغيرهم.
وكانت بدايات استخراج “الذهب الأبيض” في القصب تتم بطريقة بدائية تتطلب جهداً بدنياً كبيراً من “الجفارة” وهي جمع “جفر” وتعني الحفرة الواسعة المجفورة، ثم تطورت طريقة استخراج الملح حتى قام أحد تجار المنطقة وهو فايز الحميضي بانشاء مصنع حديث متطور لاستخراج الملح وفق تقنية علمية حديثة تضمن تنقيته وتكريره وتعبئته وتغليفه وهو ما يبرز دور تجار كل منطقة في تنمية واستغلال الثروات الطبيعية لمناطقهم وتوفير مصادر رزق لساكنيها.
وتعد منطقة “القصب” أحد مناطق الجذب السياحي للمواطنين والسياح الأجانب الزائرين للمملكة تزامناً مع إطلاق موسم الملح 2023 لمدة 10 أيام ابتداء من الثاني من شهر آذار “مارس” الجاري، الذي حظي هذا العام برعاية معالي وزير التجارة الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي.
ويقدم موسم ملح القصب للزوار والسياح تعريفًا بتاريخ المنطقة وعلاقتها الوطيدة بالملح منذ ثلاثة قرون, إلى جانب تفاصيل استخراجه، ومتاجر الأهالي التي تعرض منتجات المنطقة المرتبطة بالملح وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى