محليات

تأثير العاقل اللبيب في كف البهتان والغيبة والكذب والسخرية والاستهزاء

ألقى الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي خطبة الجمعة في الحرم الشريف، حث فيها على التقوى وتدبر الكتاب واتباع سنة النبي. أكد على أهمية الكلمة وتأثيرها على الإيمان والدرجات في الجنة. شدد على ضرورة كف اللسان عن السيئات وأهمية حفظ اللسان من الشر. وأوصى بالاستغفار والشكر لله، وتجنب الكفر بالنعمة. أشار إلى أن أفضل الذكر الله وأوصى بقول الشهادتين. ختم بأهمية صيام شهر المحرم وأجره العظيم.

تأثير العاقل اللبيب في كف البهتان والغيبة والكذب والسخرية والاستهزاء

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها توصية المسلمين بتقوى الله وتدبر كتابه، واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال فضيلته: إن كلام الإنسان من عمله الذي يحاسب عليه، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، فللكلمة أهمية عظيمة، يدخل بها المرء الإسلام، ويفرَّق بها بين الحلال والحرام، وبها يُرفع المرء لأعلى الدرجات، أو يهوي بها لأسفل الدركات، ففي صحيح البخاري أن النَّبِي صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَة مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُه اللَّه بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَة مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)). وبين سبحانه فضل الكلمة الطيبة فقال: ﴿إِلَيْه يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾، ولا يصعد إلى الله تعالى إلا ما يحب ويرضى؛ فلذا جاءت نصوص الكتاب والسنة بحثّ المؤمن على مراقبة ما يتكلم به، فمن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت.
وبين الشيخ ماهر المعيقلي أن كفّ اللسان عن المحرمات طريق موصل إلى السلامة، وإلى رضوان الله والجنة، ففي سنن الترمذي: قال معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، فذكر له صلى الله عليه وسلم أبواب الخير، ثم قال: “أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلَاْكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟” قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِي اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: “كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا”، فَقُلْتُ: يَا نَبِي اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: “ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أو عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ”. فكم من إنسان تكلم بكلمة دون تفكر، أو إمعان نظر، فكانت سببًا للخسران والبوار، هوى بسببها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، فالعاقل اللبيب من جعل على لسانه رقيباً، يكفه عن شهادة الزور والنميمة والبهتان والغيبة والكذب والازدراء والسخرية والاستهزاء.
ولفت فضيلته النظر إلى أنه في غزوة تبوك خرج أناس مع النبي صلى الله عليه وسلم فتكلَّموا بكلمات زلّت بها ألسنتهم، فقالوا: “ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، وأكذب ألسنًا، وأجبن عند اللقاء”، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاء الوحي من السماء بخبر تلك المقالة السيئة، فقال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّه وَآيَاتِه وَرَسُولِه كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}. فجاء القوم يعتذرون، ويقولون يا رسول الله، إنما هي كلمات، نقطع بها عناء ومَشَقَّة الطرقات، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إليهم، ولا يزيد عليهم، إلا أن يقول: ﴿أَبِاللَّه وَآيَاتِه وَرَسُولِه كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.
وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام على أن كل كلمة يتلفظ بها المرء مكتوبة عليه، ويكون لسانه يوم القيامة إما شاهداً له أو عليه: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. ولما كان اللسان بهذه المنزلة عُدّ حبسه من أسباب النجاة يوم القيامة، ففي سنن الترمذي: قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: يَا رَسُولَ الله مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: “أمسكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ”. ودعانا صلى الله عليه وسلم إلى عفة اللسان، والبعد عن السباب واللعان، فأفضل المسلمين مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده، وضمن صلى الله عليه وسلم الجنة لمن حفظ لسانه وفرجه، بل عَدَّ صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة صدقة، ومن الكلمات الطيبات ذكر رب البريات، فالحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين الأرض والسماوات. وفي الصحيحين: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ: “كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله الْعَظِيمِ”. قال ابن القيم رحمه الله: “وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به”.
* وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ أحمد بن طالب بن حميد المسلمين بتقوى الله وطاعته، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّه حَقَّ تُقَاتِه وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة من المسجد النبوي: إن الله قد أعزنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، ورحمنا بنبيه عليه الصلاة والسلام، فهدانا به من الضلالة، وجمعنا به من الشتات، وألّف بين قلوبناـ ونصرنا على عدونا، ومكّن لنا في البلاد، وجعلنا به إخواناً متحابين.
وأوضح أن النّعم لا تدوم إلا بحمد الله وشكره جل في علاه، والتوبة إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي، قائلاً: احمدوا الله على هذه النعمة، واسألوه المزيد فيها، والشكر عليها، فإن الله قد صدقكم الوعد بالنصر على من خالفكم.
وحذَّر فضيلته المسلمين من كثرة المعاصي والكفر بالنعمة، فإذا كفر قوم بنعمة ولم يتوبوا سُلبوا عزهم، وسلط الله عليهم عدوهم.. مبيناً أن من أفضل أنواع الذكر قول لا إله إلا الله، وقول سبحان الله وبحمده، فهي سبب في فتح أبواب الرزق للعبد، والابتعاد عن الشرك والكبر، مستشهداً بوصية نوح ـ عليه السلام ـ لابنه (إني موصيك بوصية، وقاصرها كي لا تنساها، أوصيك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: أما اللتان أوصيك بهما فيستبشر الله بهما وصالح خلقه، وهما يكثران الولوج على الله تعالى: أوصيك بلا إله إلا الله، فإن السماوات والأرض لو كانتا حلقة قصمتها، ولو كانتا في كفة وزنتها، وأوصيك بسبحان الله وبحمده، فإنهما صلاة الخلق، وبهما يرزق الخلق، قال تعالى {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّه كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. وأما اللتان أنهاك عنهما فيحجب الله منهما، وصالح خلقه، أنهاك عن الشرك والكبر).
وختم فضيلته الخطبة مبيناً أن أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم، ففيه اليوم العاشر الذي أنجى الله فيه كليمه موسى ـ عليه السلام ـ وقومه من فرعون وملئه، فصامه نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحث على صيامه فقال: “نحن أحق وأولى بموسى منكم”، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: “احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى